بعد التصعيد العسكري الأخير المتبادل بين قطاع غزّة وإسرائيل، في موجة توتر ميداني تعد الأوسع منذ أشهر طويلة، قصفت فيها فصائل المقاومة المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع بحوالى 36 قذيفة، وأغارت خلالها المقاتلات الحربية الإسرائيلية مواقع تابعة لحركة "حماس".
وتدخلت الأمم المتحدة ومصر على خط الوساطة في محاولة لإعادة الهدوء إلى المنطقة، وعدم الانجرار لعملية عسكرية مفتوحة، وسرعان ما استجابت الأطراف، ضمن شروط وقف فصائل المقاومة إطلاق القذائف الصاروخية، مقابل تخفيف إسرائيل حدة التوتر في مدينة القدس الشرقية.
للمرة الأولى تعلن الفصائل مسؤوليتها
في الواقع، يعد تبادل إطلاق النار هذا الثاني في أقل من أسبوع، إذ أطلقت فصائل المقاومة قبل أيام قذيفة صوب إسرائيل، وردت المقاتلات الحربية بقصف مناطق عدة في قطاع غزّة، وجرى وقف إطلاق نار متبادل من دون أي تدخل وسطاء.
وللمرة الأولى منذ نحو عامين، تعلن الفصائل المسلحة مسؤوليتها الكاملة عن إطلاق القذائف الصاروخية، إذ اعتبرت كتائب أبو علي مصطفى، الجناح المسلح للجبهة الشعبية، إطلاقها القذائف الصاروخية رداً على "الجرائم الإسرائيلية المستمرة في القدس وقصفه لغزة".
استجابة سريعة وزيارة مصرية
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن من المقرر أن يزور الوفد الأمني المصري قطاع غزّة وإسرائيل، خلال الأسبوع الجاري، بتوجيهات من مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط ثور وينسلان الذي أعلن أنه يعمل مع جميع الأطراف من أجل إيقاف التوتر لتجنب مزيد من التصعيد خلال الفترة الحساسة سياسياً لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
والواضح، أن كلاً من إسرائيل و فصائل المقاومة استجابت لنداء الوساطة، إذ عم الهدوء قطاع غزّة، والبلديات الإسرائيلية المحاذية لها، وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أنه بعد تقييم الوضع في القيادة الجنوبية العسكرية، تقرر عدم فرض أي قيود على الجبهة الداخلية في منطقة غلاف غزة.
إسرائيل تتحضر لعملية عسكرية
لكن يبدو أن الهدوء هش، وقد يتحول إلى عملية عسكرية مفتوحة، إذ أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف نتنياهو للجيش بالتأهب والاستعداد للعدوان على قطاع غزّة وفق كل السيناريوهات المحتملة، بما فيها الدخول في عملية عسكرية مفتوحة، عقب اجتماع امتد ثلاث ساعات مع وزير الدفاع بيني غانتس، ورئيس هيئة الأركان العسكرية أفيف كوخافي، وقادة الجيش والأجهزة الأمنية.
وقال كوخافي إنه قرر اتخاذ سلسلة خطوات وردود فعل محتملة مع غزّة إضافة إلى الاستعداد لحال تصعيد مفتوحة، بخاصة أن الأمر يبدو مقلقاً ويتجه لعملية عسكرية.
ويوضح أستاذ العلوم السياسية المختص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي أن نتنياهو يرغب في التصعيد مع غزّة لمصالح سياسية شخصية، في حين أن التوتر في الجبهة الجنوبية ليس في مصلحة إسرائيل، ويشير النعامي إلى أن التصعيد مع غزّة فيه استثمار سياسي لنتنياهو، فهو يرغب في تأجيل الانتخابات الفلسطينية، وإذا قام بجولة تصعيد، فقد يدفع الفصائل إلى قبول قرار تأجيل عملية الاقتراع، وكذلك يستطيع من خلاله، الضغط على الأحزاب المعارضة والرافضين الدخول معه في تشكيل حكومة إسرائيلية، لافتاً إلى أن خيار التصعيد محتمل، بينما عملية عسكرية مفتوحة تبدو بعيدة، بخاصة في الأوضاع السياسية التي تعيشها إسرائيل.
ويقول المراسل العسكري الإسرائيلي أور هيلر، إن الكرة الآن في ملعب حركة "حماس"، وهي التي تحدد إذا ما كانت ترغب في تصعيد عسكري مفتوح مع إسرائيل، أو تثبيت معادلة الهدوء، من خلال لجم إطلاق القذائف الصاروخية أو السماح باستمرار إطلاقها.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن إسرائيل أرسلت إلى حركة "حماس"، عبر الوسطاء، رسالة بضرورة إيقاف التصعيد ومنع الفصائل المسلحة من إطلاق القذائف الصاروخية صوب التجمعات السكانية المحاذية لغزّة، لعدم الانجرار لعملية عسكرية مفتوحة.
الفصائل في غزة مستعدة
وعلى الرغم من توقف إطلاق القذائف الصاروخية نحو إسرائيل، يبدو أن كل الفصائل تستعد لخوض عملية عسكرية، أو على الأقل مواصلة قصف التجمعات السكانية الإسرائيلية المحاذية للقطاع، وأرجعت الفصائل في غزّة قصفها لإسرائيل بسبب "الأفعال الإجرامية" التي يقوم بها المستوطنون والشرطة في مدينة القدس الشرقية، محذرة من أن الاستمرار بالاعتداء على المقدسيين قد يجعل غزّة على شفا التصعيد، ويدفع الفصائل إلى الدخول في عملية عسكرية مفتوحة.
ويقول المتحدث باسم حركة "حماس" فوزي برهوم، إنهم حذروا تل أبيب من الاستمرار بالتصعيد في غزّة وارتكاب أي "حماقات" من شأنها تدهور الأوضاع الأمنية، سواء في القطاع أو في المسجد الأقصى.
وبحسب برهوم، فإن الكرة الآن في ملعب إسرائيل، إذ تتحمل المسؤولية عن تداعيات الأعمال الاستفزازية العنصرية التي يقوم بها جنودها ومستوطنوها في القدس، وفي قطاع غزّة، لافتاً إلى أن رد الفصائل المسلحة على العدوان يأتي في إطار القيام بواجبها في حماية مصالح الفلسطينيين.
من جانبه، يشير الباحث السياسي أحمد العجلة إلى أن "حماس" غير معنية في تصعيد مفتوح، ولا في عملية عسكرية محدودة، وترغب في ضبط النفس، وفي الوقت ذاته، ترفض أن تأخذ دور المتفرج لما يجري في القدس الشرقية، لذلك تحاول كسر المعادلة برسائل تحذيرية.
المصدر: اندبندنت عربية
#كلمات_دالة :
العربية