قالت رئيس البرنامج البريطاني للمراقبة الجينية، شارون بيكوك، إن سلالة فيروس كورونا المستجد التي تم اكتشافها لأول مرة في مقاطعة "كينت" البريطانية في طريقها "لاجتياح العالم".
وتنتشر تلك السلالة بالفعل في أكثر من 50 دولة حتى الآن، إذ سرعان ما أصبحت البديل الأكثر انتشاراً في أجزاء كبيرة من المملكة المتحدة في غضون بضعة أشهر.
وتشير البيانات المبكرة إلى أن تلك السلالة "الأكثر عدوى وفتكاً" لها أعراض مختلفة عن السلالة المعروفة من الفيروس التاجي المستجد، ما يتطلب إجراء أبحاث جديدة ومنفصلة بشأنها.
أعراض أكثر حدة
بشكل عام، يعاني مصابو هذه السلالة نفس أعراض كوفيد-19 لكن مع سعال أكثر حدة؛ إذ أبلغ 35% من الأشخاص الذين ثبت إصابتهم بالفيروس عن حدوث سُعال متكرر شديد، فيما احتل التعب الشديد وضعف العضلات المرتبة الثانية، حيث أثر عن 32% من الحالات، وتم الإبلاغ عن فقدان حاسة الشم أو التذوق أو كليهما في 15% فقط من الحالات.
وتحتوي النسخة المتحورة عن الفيروس على 23 تغييراً مقارنةً بنسخته الأصلية (نسخة ووهان)، يمكن أن يؤثر بعضها على الاستجابة المناعية للجسم ويؤثر أيضاً على مجموعة الأعراض المرتبطة بالعدوى.
وكشفت دراسة حديثة أيضاً أن سلالة كينت اكتسبت طفرة مشابهة لمتغير جنوب إفريقيا، ما قد يجعلها أكثر عرضة لمقاومة اللقاحات؛ لكن الأمر ليس مؤكداً بعد.
وتلك الطفرة -المعروفة باسم E484K- موجودة بالفعل في كل من متغيرات فيروس كورونا في جنوب إفريقيا والبرازيل. تُكسب تلك الطفرة الفيروس قدرة على مراوغة الأجسام المضادة التي ينتجها الجهاز المناعي لمحاربة النسخة القديمة من كورونا، إذ تفشل تلك الأجسام في التعرف عليه في شكله المتحور الجديد.
إذاً؛ فالطفرة التي سببت نشوء سلالة كينت الإنجليزية معروفة منذ وقت طويل؛ فما الداعي لذلك القلق؟
في البداية؛ يشرح الأستاذ في المناعة والالتهابات بإمبريال كوليدج، داني التمان، الفرق بين الطفرة والسلالة والمتغير، مشيراً إلى أن الأمر متعلق بالحمض النووي الريبي المسؤول عن العدوى بشكل مباشر.
ويوضح التمان في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، إن المادة الوراثية للفيروس تُسمى الحمض النووي الريبي RNA لإحداث العدوى يجب أن تستولي تلك المادة على خلية مضيفة ثم تستخدمها لتكرار نفسها، ومن ثم تحدث العدوى.
آلية التطفر
وحسب الباحث البريطاني، "غالباً ما تحدث الأخطاء أثناء عملية تكرار الحمض النووي الريبي الفيروسي وينجم عن تلك الأخطاء فيروسات متشابهة ولكنها ليست نسخاً طبق الأصل من الفيروس الأصلي. وتسمى الأخطاء في عملية نسخ الحمض النووي الريبي الفيروسي "الطفرات". فيما تُسمى الفيروسات التي تحمل تلك الطفرات "المتغيرات". ويُمكن أن تنتج المتغيرات جراء طفرة واحدة أو عدة طفرات.
ويؤكد التمان أن لكل الطفرات نفس التأثير؛ فحين تحدث طفرة في نقطة واحدة فقط؛ لن تُغير بالضرورة أياً من اللبنات الأساسية (الأحماض الأمينية) في طريقة تكوين الإنسان أو الفيروس.
وأكد الباحث البريطاني أنه في بعض الأحيان تحدث هذه الطفرات المفردة في جزء من الحمض النووي الريبي الفيروسي الذي يتسبب في حدوث تغيير في لبنة بناء معينة. في بعض الحالات، يمكن أن يكون هناك العديد من الطفرات التي تغير معاً لبنة البناء. من هنا تنشأ السلالة الفيروسية الجديدة.
وفسّر التمان الأمر بأن السلالة عبارة عن متغير يتم إنشاؤه بشكل مختلف، وبالتالي يتصرف بشكل مختلف عن الفيروس الأصلي. ولذلك يمكن اعتبار كل سلالة متغير؛ ولكن ليس كل متغير سلالة. ويتابع: "يتوقف الأمر على سلوك الفيروس. فعندما تكون هناك اختلافات سلوكية دقيقة أو واضحة يُمكن أن نطلق اسم سلالة جديدة على الفيروس. وهو ما حدث مع سلالة (كينت)".
على سبيل المثال يمكن أن تتضمن هذه الاختلافات ارتباطاً بمستقبل خلية مختلف، أو الارتباط بقوة أكبر بمستقبل، أو التكاثر بسرعة أكبر، أو العدوى والانتشار بشكل أكثر كفاءة.
سلالة "كينت" مُكونة من متغير يُسمى B117 تنتشر أسرع بنحو مرتين من الفيروس التاجي الأصلي. ذلك المتغير موجود في العديد من البلدان وناجم عن الطفرة E474K التي تم تحديدها لأول مرة في جنوب إفريقيا. وتحمل هذه الطفرة العديد من المتغيرات المختلفة وتحدث في بروتين "سبايك" ويبدو أن لها تأثيراً على الاستجابة المناعية للجسم.
يُطلق العلماء على تلك الطفرة اسم "طفرة الهروب"؛ لأنها تساعد الفيروس على تجاوز دفاعات الجسم المناعية.
وكانت هناك مجموعة من الأبحاث التي توضح أن اللقاحات الحالية تعمل ضد متغير "كينت"، إلا أن تجارب سريرية أجرتها مجموعة من الشركات -نوفافاكس وجونسون- أكدت أن لقاحاتهم الجديدة أقل فاعلية في جنوب إفريقيا مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.
عامل الوقت
بالرغم من ذلك لا يمكن تكوين صورة كاملة عن مدى فاعلية اللقاحات على السلالة الجديدة، حسب ما تقول أستاذة العدوى السريرية في قسم علم الأحياء الدقيقة بجامعة أكسفورد "كاتي جيفري"، والتي أشارت في تصريحات خاصة لـ"الشرق" أن اللقاحات الحالية "لا تزال في طور المواجهة وتحتاج لوقت لتقيم فاعليتها في مواجهة الطفرات الجديدة".
وحول احتمالية أن تُصبح سلالة "كينت" هي المسيطرة على مسار العدوى في العالم، قالت جيفري إن ذلك الأمر "ليس مستبعداً" ولكنه "ليس بالخطورة التي يبدو عليها". فالسلالة الجديدة -وعلى الرغم من قابليتها للانتشار بشكل أسرع وأقوى- لا يبدو أنها "تُسبب في معدلات وفاة أكبر من السلالات الأخرى". كما أن الأدلة "لم تؤكد بعد أن اللقاحات غير قادرة على وقفها أو الحد من خطورتها".
وتؤكد أستاذة العدوى السريرية أن المعلومات "لا تزال شحيحة" بخصوص السلالات المختلفة "فحتى الآن لا يُمكن تأكيد إذا ما كان المصابين السابقين والذين يحملون أجساماً مُضادة في دمائهم عرضه للإصابة مرة أخرى بالفيروسات المتحورة أم لا".