#كورونا يورق المصريين في كوريا الجنوبية - صباح اليمن #كورونا يورق المصريين في كوريا الجنوبية

#كورونا يورق المصريين في كوريا الجنوبية



متابعات صباح حضرموت
رفقة مئات العمال، انتظر علي محمد -اسم مستعار بناءً على طلبه- قدوم الحافلة، التي تنقله يوميا، إلى مجمع مصانع بمدينة دايغو في كوريا الجنوبية، لكن ما إن بدأ الرجل عمله، انهمك فيه، حتى داهمت قوات مكافحة فيروس كورونا المستجد المصنع، لتنقلب حياة الشاب المصري رأسا على عقب.



نهاية ديسمبر الماضي، كان العالم على موعد مع كابوس مفزع، ظهر فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) لأول مرة في الصين، ليُصيب ما يقرب من 100 ألف شخص حول العالم، ويودي بحياة أكثر من 3 آلاف إنسان في غضون أسابيع قليلة، 30 منهم ماتوا في كوريا الجنوبية، البلد الأسيوي الذي حجز رابع المقاعد بعد الصين وإيطاليا وإيران في عداد موتى، سرق أنظار ملايين البشر على وجه الأرض، ولا يتوقف حتى اللحظة عن العد والدوران.

يومها، طاف رئيس الوردية على عمال المصنع، لقياس درجة حرارتهم، روتين صباحي، اعتاد محمد الخضوع له، منذ ظهور إصابات بالفيروس في مدينة دايغو، لكن قبل مرور نصف ساعة على هذا الإجراء العادي، كان حوالي 25 رجلا من مكافحة الفيروس ينتشر داخل المصنع "فتشوا كل حاجة وعقموها، ووزعوا علينا ماسكات وغسول للأيد، لدرجة أنهم رشّونا إحنا كمان بالمطهر"، دهشة وحيرة أصابت جميع العمال، إلى أن آتاهم الخبر: "في 2 من العمال، اللي كانوا معانا في ساحة الانتظار، واللي بيتجمع فيها 52 أتوبيس، اكتشفوا عندهم كورونا".



قبل 3 سنوات، سافر محمد من مركز السنطة بمحافظة الغربية، إلى مدينة دايغو، ضاق به العيش في مصر، فراح يبحث عنه في كوريا الجنوبية، عمل هناك في قطاع السيارات، استأجر سكنا يدفع مقابله شهريا، فيما يشتري مخزونه من الطعام بعد تقاضيه الراتب، قبل أن يلتهم كورونا حيوية رابع أكبر مدينة في كوريا الجنوبية "واللي مكنتش بعرف أنام من صوت العربيات فيها"، فتتحول إلى "مدينة" لا يسكنها إلا الموت.



الحال لم يكن أبدا كذلك، قبل ظهور كورونا المستجد. في مدينة إنشيون، وهي ثالث أكبر تجمع حضري في كوريا الجنوبية، استقر ياسين مروان، قبل حوالي 5 سنوات. عمل في أحد مصانع تنكيل المعادن. وداخله سار يوم عمل الشاب المصري كالتالي: "الصبح افطر كرواسون، ومن 12 الضهر لـ1 يسلمونا وجبة الغدا، والساعة 3 ربع ساعة راحة، والساعة 5 ونص المغرب ليا وجبة عشا، ولو هكمل الوردية لبليل ليا الساعة 10 مشروب لبن بالموز وكرواسون".

عمل الشاب في بعض الأيام لحوالي 18 ساعة "مكنش الشغل ولا الطلبيات بتقف"، فالشاب يتقاضى راتبه عن كل ساعة عمل، ورغم التعب في الشغل، ذاق مروان رغد العيش "عشان في كوريا بتاخد حقك.. بتتعب أه، لكن بتلاقي مقابل".



قبل أن يشهد عمله ركودا مطلع العام الحالي "المواد الخام ابتدت تقل، وعجلة الإنتاج بتتباطئ يوم ورا يوم". وهو ما تدعمه بيانات رسمية لحكومة كوريا الجنوبية، حيث تراجع المعدل اليومي لقيمة الصادرات، خلال الأيام العشرة الأولى من فبراير، بمقدار 3.2% على أساس سنوي، كما تواجه الشركات الكورية لصناعة السيارات صعوبات، بسبب نقص المخزون، على خلفية تعليق إنتاج قطع غيار السيارات في الصين، ما أدى إلى تعرض الصناعة الأكثر نشاطا في البلد لصدمة، زادت حدتها بداية من فبراير الماضي، ومعها قل راتب الشاب المصري إلى الثلث، وبالتبعية قل ما يرسله منه إلى "زوجتي وأولادي الاتنين ووالدتي" في مصر.

رغم الخطر الداهم، لا يشعر مروان بخطر كبير على حياته "مبحطش أيدي على عيني طول ما أنا شغال، وبواظب طول اليوم على غسل أيدي بالصابون والمطهر، ده غير أنهم سلمونا ماسكات في المصنع، ومدير الشيفت بيلف علينا واحد واحد كل نص ساعة عشان يقيس درجة حرارتنا، وأنا شخصيا بقلل الاختلاط بالناس".

يؤرقه مستقبل عمله في الأيام المقبلة "هستنى لنص مارس، وآخد القرار النهائي، لو الأمور ساءت، هضطر أرجع مصر والأرزاق على الله".




أحمد البرماوي اتخذ قرارا نهائيا، 20 يوما ويعود إلى مصر، بعد 10 سنوات له في الغربة، عمل فيهم بمجال السيارات في كوريا الجنوبية. بمجرد أن وصل الفيروس إلى مدينة إنشيون "الحياة اختلفت، الناس بقيت ماشية شاكة في نفسها، عمري ما شوفت الناس خايفة بالشكل ده، تحس أنك عايش في حلم، مش دي الحياة ولا دي العيشة اللي أنت متعود عليها هنا"، فيما يأتيهم رسائل على الهواتف تقول لهم "محدش ينزل الشارع إلا للضرورة، واللي هينزل يكون لابس الماسك، وأول ما تدخل البيت اغسل ايدك بالمطهر وامسح هدومك"، ولهذا خفّ دبيب الأقدام على أرض المدينة الحضارية، رغم ذلك لا يتخلف صاحب الـ35 عاما عن عمله حتى الآن، فقط يزيد من حذره ويَتبع إجراءات الوقاية.



لم يتخذ البرماوي قرار العودة، خوفا على حياته، يؤمن الشاب بأن "الروح بإيد ربنا، واللي كتبه هيكون"، لكنه اكتفى من وحشة الغربة، يتمنى أن يعود إلى حضن أسرته في مصر "واللي رجعتهم مصر من 4 سنين، لظروف البرد القاسي في كوريا"، فكان لظهور الفيروس المستجد يدا في "إني أقدم ميعاد رجوعي لبلدي وناسي"، وفي عقله خططا لمستقبل العمل في مصر.

فتوح أحمد، رئيس اتحاد المصريين في كوريا الجنوبية، منذ 3 سنوات، والملقب بـ"عمدة المصريين"، وعددهم 1000 شخص، بحسب تصريحات صحفية لسفير مصر في كوريا الجنوبية، حازم فهمي، في أبريل 2019، له رأيا آخر في تلك المحنة، وهو الذي اعتاد على التوسط في حلّ مشاكل المصريين في الغربة، اجتماعية كانت أو صحية أو تلك التي كانت السلطات الكورية الجنوبية والسفارة المصرية طرفا فيها.



رغم عِظم الكارثة في القارة الآسيوية، يثق فتوح في قدرة كوريا الجنوبية على تخطي الأزمة "الناس هنا عندها وعي كبير، وحريصة على إتباع التعليمات الصحية"، إلى جانب صرامة حكومية تفرضها السلطات لضمان سلامة المواطنين، وتوافر تكنولوجيا تزيد من معدلات الأمان "عندك برنامج بيحدد لك أقرب مركز علاج لسكنك. وأماكن تركُز الإصابة بالفيروس وعدد المصابين به، عشان تاخد حذرك كل ما تقرب من مركز إصابة"، لذا نصح المصريين هناك بإلغاء فكرة الرحيل عن البلد "ده طبعا هيكون أكبر غلط، فبحاول انصحهم قدر المستطاع يخرجوا الفكره دي من دماغهم".



لكن فكرة العودة إلى مصر، تمر كطيف من الأحلام على محمد، لا يملك الشاب قراره الآن، منذ 10 أيام لم يخرج من منزله، عزلة إجبارية، فرضتها عليه السلطات الكورية الجنوبية، للتأكد من خلو رئته من كورونا، ولا يعرف له مصيرا بعد انتهاء العزل، وما المصير داخل مدينة يسكنها الموت؟ تمر الدقائق داخل المنزل ثقيلة كساعات، تحول مسكن الراحة إلى سجن، والصمت من حوله مدخلا إلى الجنون، مكالمته إلى أسرته باعثا على الرعب، ولا آمال يملكها في انفراج الأزمة، حتى ولو بعزل صحي يتمناه في أحضان الوطن، لم يجد نجدته إلا في رسالة، أوصى بها لأهله، ومفادها: "أي حاجة امتلكها، بوصي بيها لبنتي وأخويا الصغير، لو جرالي حاجة".

إرسال تعليق

أحدث أقدم